نزاعات الحدود والامن الخليجي في ظل التوازنات العالمية والاقليمية بعد عام 2001 - يمن سام Yemen Sam

أعلان الهيدر

الثلاثاء، أغسطس 27، 2019

الرئيسية نزاعات الحدود والامن الخليجي في ظل التوازنات العالمية والاقليمية بعد عام 2001

نزاعات الحدود والامن الخليجي في ظل التوازنات العالمية والاقليمية بعد عام 2001

أ.م.د.  دينا محمـد جبر ـ كلية العلوم السياسية / جامعة بغداد
المصدر: دراسات موقع الواح طينية


مقـدمـة :

لم تدخل مسائل الحدود العربية والخلافات الناشبة حولها الوعي العربي إلا في الأعوام التي أعقبت انتهاء الخلافة العثمانية وبدء الاستعمار والانتداب الغربيين فبعد أن كان التنقل متاحاً للجميع في ما يعرف بـ"ديار الإسلام" ظهرت المنافذ الحدودية وتأشيرات الدخول المسبقة والهويات المحلية. وإذا كان الجيل الأول من دعاة القومية العربية قد راهن على زوال تلك الحدود، فإن أحفاده وجدوا أنفسهم بعد قيام "الأنظمة الوطنية" في وضع أسوء، فقد ترسخت الحدود، خاصة بعد ظهور الثروات الطبيعية، ووصل الأمر لحد اندلاع "حروب الإخوة،" وبات العربي يحتاج لتأشيرة قد لا يحصل عليها أبداً لدخول دولة مجاورة بينما يشاهد بأم عينيه منح التأشيرات على المطارات للوافدين من الدول الغربية. وتنبع اشكالية الدراسة من كون صعوبة ان نعيد كل المشاكل الحدودية إلى الإرث الذي تركه "الاستعمار،" فالهويات المحلية والقطرية باتت راسخة في أذهان العرب، أما الحديث عن القومية والإرث المشترك فبات ضيفاً ثقيلاً على قمم الجامعة العربية والمنتديات السياسية التي فشلت حتى في تعزيز التجارة بين الدول العربية. وبسبب الأساليب التي اتبعت في رسم الحدود العربية، دون مراعاة لغياب الفواصل الطبيعية في الكثير من الأحيان وطبيعة السكان الرحّل في أحيان أخرى فإننا اليوم نكاد لا نجد دولة عربية لم تشهد خلافات حدودية مع "أشقائها" المجاورين. ففي منطقة الخليج يبرز الخلاف بين السعودية من جهة، وكل من الكويت والعراق والإمارات واليمن وسلطنة عًمان وقطر والأردن من جهة أخرى.ففي عام 1991، وصل الخلاف السعودي القطري إلى حد الاشتباك المسلح في منطقة الخفوس، ما أدى لسقوط قتلى من الجانبين، أما مع الكويت فقد استمر الخلاف لفترة طويلة حول ما يعرف بـ"المنطقة المحايدة" التي اتضح أنها غنية بالنفط قبل اتفاق عام 1965 التي لم تحل الخلافات في المياه الإقليمية حول جزر تقع في المنطقة.وفي عام 1975، توصلت السعودية والعراق إلى اتفاق ينص على تقسيم المنطقة المحايدة بين البلدين، أما مع البحرين، فلم يبرز الخلاف إلا مطلع العقد الرابع من القرن الماضي، مع منح المنامة حقوق تنقيب في منطقة "فيشت أبو سعفة،" ولم يحل الخلاف إلا بعد عقدين عبر تقسيم المنطقة جغرافيا والاشتراك في منابع النفط فيها. وفي الجنوب الشرقي، فإن الخلاف حول واحات البريمي كان معقداً، مع دخول الإمارات وسلطنة عُمان فيه، وقد حلته السعودية مع إمارة أبو ظبي عام 1979 مع حصول أبوظبي على الواحات مقابل حصول السعودية على منطقة سبغة مطي وسلطنة عمان على قرى بالمنطقة، قبل أن يعود الموضوع للبروز مع احتجاج السعودية أخيراً على ظهور المنطقة في الهويات الإماراتية. وبالنسبة للنزاع حول مناطق الربع الخالي بين سلطنة عُمان والسعودية فقد وضعت اتفاقية لتنظيمه عام 1990، تحفظ عليها اليمن التي كانت منقسمة آنذاك بدورها. كما برز الخلاف بين الإمارات وسلطنة عُمان، علماً أن الإمارات تطالب بجزر تقول إن إيران تسيطر عليها في الخليج.وبالنسبة لقطر والبحرين، فيعود الخلاف بينهما حول جزر حوار إلى العقد الثالث من القرن الماضي، ولم يحل حتى عام 2001 بقرار من محكمة العدل الدولية التي استجابت للكثير من المطالب البحرينية، علماً أن البحرين ما زالت تشكو بين الفينة والأخرى من قضية ثانية تتمثل في الكتابات التي تظهر في إيران وتدّعي تبعية الجزيرة بكاملها لإيران. أما الشكل الأبرز للنزاعات الحدودية في الخليج ، بعد أن وصفت بغداد الكويت بأنها المحافظة رقم 19. وفي الجنوب تبرز قضايا الحدود بين سلطنة عُمان واليمن، وفي الشرق بين قطر والبحرين، ولم تنجح الوساطات في حل النزاع حول جزر حوار حتى تدخلت فيها محكمة العدل الدولية، التي حلت أيضاً الخلاف بين اليمن واريتريا حول جزر حنيش في البحر الأحمر.

وتبرز فرضية الدراسة من كون مشكلة الحدود تؤثر بشكل مباشر على الامن الخليجي وتزداد حدة الامر مع اختلاف التوازنات العالمية والاقليمية لتنعكس بشكل مباشر على اليات وضع الحلول المطروحة لمواجهتها . وعليه انقسمت هيكلية الدراسة الى عدة مباحث لمعالجة الموضوع ، فتناول المبحث الاول رؤية عامة للنزاعات الحدودية العربية ، في عالج المبحث الثاني اثر نزاعات الحدود على الامن الخليجي العربي وجاء المبحث الثالث ليسلط الضوء على امن الخليج وتوازنات القوى الكبرى .

المبحث الاول : رؤية عامة للنزاعات الحدودية العربية

قدرت الحدود السياسية البرية للدول العربية بحوالي 34.492كم ، وقد كان ظهورها في منطقة أفريقيا العربية أقدم من ظهورها في غيرها من المناطق العربية الأخرى ، ويبلغ متوسط عمر الحدود العربية المرسومة حوالي 70 عاماً فقط . ويمثل ترسيم الحدود أهمية كبيرة لدى رجال القانون والعسكريين والسياسيين والمؤرخين فضلاً عن الجغرافيين وغيرهم فهي بالنسبة للرجال القانون تفصل بين نظامين قانونيين لهما سيادتهما ، وفي أنها في نظر العسكريين منطقة الدفاع الأساسية ومن الناحية السياسية فإن الحدود هي تعيين للمدى الذي يمكن أن تبلغه السلطة السيادية ، واهتمام الجغرافيين والمؤرخين بموضوع الحدود في أساسه راجعاً لحاجة أكاديمية ، بل ويساهم الجغرافي عملياً في حل مشاكل الحدود السياسية . ويعد الخطر كل الخطر من حدود الدول العربية في أنها قد تم رسمها بفعل السياسة ، وفي أغلب الأحيان لا تكون متطابقة مع منطق الجغرافيا أو وثائق التاريخ ([1]) وحدد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وظائف أخرى ومتعددة للحدود، منها : ([2]) وظائف الأمن والدفاع وسلامة الوطن ، ضبط ومراقبة تنقل الأفراد وهي وظيفة مهمة تمنع دخول الأفراد غير المرغوب فيهم، خاصة إذا كانوا يشكلون خطرًا على الأمن، أو مطلوبين لدول أخرى ارتكبوا جرائم على أرضها، وكذلك تنظيم عمليات الهجرة وتدفق السلع والبضائع ورؤوس الأموال وحركات الأفراد والقوى العاملة ووسائل الإنتاج حسب ما تسمح به القوانين، فتمنع تهريبها ودخولها إلى البلاد، وينطبق ذلك على الصحف والمنشورات والكتب التي قد تسيء إلى العقيدة أوالنظام العام، فيمكن عندئذ حظر دخولها ، وكذلك الاستغلال الأمثل للثروات والموارد الطبيعية فكل دولة تحدد حسب مصالحها الوقت والطريقة التي تستغل بها مصادر ثرواتها ومواردها الطبيعية، وغالبًا ما تكون مناطق الحدود غنية بتلك المصادر سواء مياه أو نفط أو معادن أو غيرها؛ كما قد تثار حوله نزاعات مثل النزاع حول استغلال مناجم المعادن، كالفحم والحديد واستغلال حقول البترول وآباره… كما حدث لحقل بترول الرميلة على الحدود بين العراق والكويت. كذلك كانت المياه الحدودية سببًا في الكثير من النزاعات حولها، وخاصة فيما يتعلق بالصيد البحري وما ينشأ عنه من خلافات ، فضلا عن حماية الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية ويتم ذلك بمنع دخول السلع والمنتجات الأجنبية الأكثر منافسة للسلع الوطنية، أو بفرض رسوم جمركية عليها؛ لخلق توازن في الأسواق والأسعار؛ لذلك تقام المراكز الجمركية على الحدود لضبط هذا الأمر حفاظًا على الاقتصاد الوطني للدولة. ومن هنا يبدو أن الحدود في الوطن العربي خططت وفق الصراعات والمصالح الأجنبية الاستعمارية ونتيجة الخلافات الحدودية في الوطن العربي ، أصبحت النزاعات والصدمات المسلحة ، في سبيل الحصول على مكاسب إقليمية أو اقتصادية ، فالصدامات العسكرية بين العراق وإيران ، واحتلال ليبيا لشمال تشاد ، والمعارك في الصحراء الغربية لم تسفر إلا عن خسائر هائلة في الموارد الاقتصادية والبشرية ([3]) ، وتعد مشاكل الحدود هذه هي أهم العوامل على الإطلاق في زعزعة الصف العربي بل أن إذكاء هذه المشاكل الحدودية بين الدول العربية بين الحين والحين تعد أهم عراقيل التكتل الإقتصادى العربى بكل ضروريات وجوده وتفعيله ، ليس الأمر عند هذا ، ولكن سببت مشاكل الحدود بين الدول الغربية وجاراتها مشاكل حدودية أخرى تمثل تهديداً قائماً وصراعات لا تنتهي أيضاً .([4]) وسيتم الاشارة الى اهم ثلاث مشاكل حدودية في الخليج العربي على سبيل المثال لا الحصر

أولاً : مشاكل الحدود بين السعودية وجيرانها :- تشترك السعودية مع سبع دول في حدودها السياسية وهذا في حد ذاته من الميزات للحدود السعودية ولما تتمتع به الأراضي المقدسة من تقدير ورغبة في قلوب كافة الدول العربية ، والحدود بين السعودية وكافة دول الجوار ممتازة فيما عدا حدودها مع اليمن والعراق إذ يصيبها شئ من التوتر ويعود النزاع الحدودي بينهما منذ 1925 ، عندما قامت اليمن بنية ضم هذا الإقليم إليها وذلك بمساعدة الإيطاليين وتحريض اليمن لأهل عسير بالثورة ضد السعودية .([5]) وكان ذلك أحد الأسباب الأساسية لبدء النزاع بين البلدين ، إلى جانب الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن كان دافعاً أخر لحكومة اليمن في تعويض نفوذها هناك بالاتجاه شمالاً ومحاولة ضم عسير وبالتالي تعزيز صورة نظام الحكم داخلياً وخارجياً.ولكن هذه الحدود بين السعودية واليمن قدتم الاتفاق عليها وإنهاء النزاع تماماً في اتفاقية بجدة عام 2000 ونحن الان نعيش احداث حرب اليمن بكل تفاصيلها منذ عام 2014 ، وتعود بوادر الصراع الحدودي مع العراق عقب الحرب العالمية الأولي ، فلم يكن معروفاً من قبل ذلك حدوداً سياسية في شبه الجزيرة العربية أو في العراق أو في الشام .([6]) وتتم عمليات انتقال القبائل بحثاً عن الكلأ والماء دون اعتبارات للحدود الجديدة بين البلدين ، كما أن قيام بعض القبائل على طرفي مناطق التخوم بتغيير ولاءها السياسي لأي الدولتين حسب مصالحها ، كما ساهمت بريطانيا في تفعيل هذه المشكلة ، لاستمرار نفوذها في المنطقة . ففي العشرينات والثلاثينيات من القرن العشرين حاولت بريطانيا إحاطة الدولة السعودية الناشئة بطوق من الإمارات الهاشمية الخاضعة لها في الشمال ، ومن جهة ثانية حاولت بريطانيا إظهار مدى حاجة العراق إليها ،كما أن غارات الأخوان التابعيين للسعودية وبعض القبائل الأخرى أضافت كثيراً إلى حدة النزاع .. في المقابل سعت السعودية دائماً لتأمين أطراف حدودها رداً على محاولات تهديد أمنها وسلامتها الإقليمية ، ولذلك سعت الدولتان لاستقطاب الولاء القبلي والعشائري في مناطق النزاع ولكن هذا النزاع السعودي العراقي انتهت نتائجه بصورة طيبة للغاية ، فقد توصل الطرفان في اتفاقية المحمرة والعقير عام 1922م إلى إيقاف غارات القبائل وحماية طرق قوافل الحجاج وتعيين خط الحدود بين البلدين وإنشاء المنطقة المحايدة ، أما إتفاق جدة 1975 ، فقد اتفق الطرفان على ترسيم الحدود واقتسام المنطقة المحايدة ومنذ 1922 – 1990 ظلت الحدود بين البلدين هادئة ولكن التحشيد العسكري العراقي على الحدود السعودية أعاد التوتر([7])

ثانيا – مشاكل الحدود بين العراق – الكويت :- تعد هذه المشكلة أخطر المشكلات الحدودية بين دولتين عربيتين أدت إلى انقسام الصف العربي صف مؤيد للعراق وآخر معارض له ، ولكي نتفهم أبعاد هذه المشكلة بصورة أكثر وضحاً ، فلابد أن نعرف ان الكويت يقع على رأس الخليج العربي الذي يخرج منه خليج الكويت أيضاً ، الذي هو نتاج حركات القشرة الأرضية كمصب لنهر قديم حولته حركات القشرة الأرضية إلي هذا الخليج الذي اكتسب أسمه من الكويت وقد حمى هذا الخليج سواحل الكويت من أنواء الخليج العربي وعواصفه العاتية ، لهذا كان ملجأ للسفن عندما أتيحت الفرصة لمعرفة مزاياه بداية الثامن عشر . ([8]) وتعد الكويت نهاية الطريق البحري للمحيط الهندي وخليج عمان ـ الذي يلتقي مع طرق القوافل عبر الرافدين وغرباً إلى ساحل البحر المتوسط – أي أنها مركز الاتقاء بين الطريق البحر والبري لهذا ازدهرت بها تجارة الصادر والوارد على حساب ميناء البصرة كما أن ميناء الكويت يقع في نطاق شاطئ اللؤلؤ العظيم ، عندما كان اللؤلؤ تجارة رابحة فحرصت السلطات التركية على بسط سيادتهم عليها .كما أن موقع الكويت أهلها لتكون مركزاً دولياً للبريد بين أوروبا وساحل البحر المتوسط وبين موانئ المحيط الهندي كما سلطت عليها الدول الأوروبية الضوء لاختيارها نهاية لسكة حديد بغداد ، ذلك عن الكويت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أما في القرن العشرين فقد اكتشف نفطها عام 1938 في حقل البرقان ثم توالت الاكتشافات حتى أصبحت الكويت ذات احتياطي ضخم بالإضافة إلى أنها تنتج ما يزيد 1.5 مليون برميل يومياً . تتركز أسباب الصراع بين البلدين في رغبة العراق في ضم الكويت ، فضيق المنفذ البحري العراقي على الخليج العربي والموقع المميز مع الموارد البترولية الصخرة للكويت تشكل أسباباً أساسية لبدء الصراع الذي قام على كثير من الحجج والادعاءات القانونية والسياسية ، فالعراق يؤكد أن الكويت كانت جزءً من ولاية البصرة العثمانية .([9])

وعليه فإن له الحق في وراثة الدولة العثمانية في الكويت ، واستند العراق أيضاً على 
الاستفزازات المزعومة التي يقوم بها الكويت فيما يخص بتروله ومراكزه 
الحدودية ، وعلى الجانب الكويتي فقد أكدت أنها لم تكن تحت الحكم العثماني 
أساساً ثم أن العراق لم يكن دولة مستقلة في ذلك الوقت حتى يرث النفوذ 
العثماني في الكويت وتؤكد بعض المصادر أن حاكم الكويت في نهاية القرن 
التاسع عشر فرض رسوماً على السلع العثمانية المارة بأراضيه ورفض قبول لقب 
قائمقام التركي ، كما اعتمد الكويت بتأكيد استقلالها وسيادتها على الخطابات
المتبادلة بين البلدين عام 1932 بشأن اعتراف العراق بالكويت . وفي عام 1961 تم انسحاب القوات البريطانية من الكويت ونعت اتفاقية الحماية البريطانية (1899) للكويت في 19يونيو ، وذلك كان دافعاً للعراق في التفكير وعزمه ضم الكويت ، أدى ذلك إلى إنزال القوات البريطانية في الكويت وبعدها دخلت القوات العربية وقبلت الكويت عضواً كاملاً بجامعة الدول العربية ، ثم انسحبت القوات العربية عام 1963وقد كثفت الكويت نشاطها الدبلوماسي بعد انتهاء أزمتها هذه مع العراق أدى ذلك إلى اعتراف كثير من دول العالم بها ، ثم انضمامها إلى منظمة الأمم المتحدة 1963 ، وأخيراً اعتراف العراق بسيادة الكويت على كافة أراضيها وفي إطار حدودها الراهنة في اتفاقية 4 تشرين الأول 1963 ، اما حرب الخليج الثانية في أغسطس 1990 كان نتيجة ذلك تحطيم قدرة الجيش العراقي والكوارث البيئية الهائلة التي سببها إشعال أبار النفط الكويتي ، سقوط عشرات الآلاف من القتلى العراقيين والكويتيين وتدمير هائل للبنية التحتية بالعراق والكويت ، والأهم من ذلك اضعاف الصف العربي وتغلغل النفوذ الأمريكي البريطاني بالمنطقة ([10])

ثالثا : النزاع بين الإمارات العربية المتحدة وإيران حول الجزر الثلاث: النزاع بين الإمارات العربية المتحدة وإيران حول الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، هو في ظاهره نزاع حدودي بين دولتين متجاورتين ومتقابلتين، أما حقيقة النزاع فهي أنه نزاع استراتيجي بالأساس يرتبط بالفكر الأمني والسياسي في منطقة الخليج العربي من وجهة النظر الإيرانية؛ فكل الإجراءات التي قامت بها إيران حتى الآن لضم هذه الجزر لسيادتها الإقليمية، كان مبعثها قربها من مضيق هرمز، وما قد تضيفه هذه الجزر من الهيمنة الإيرانية على مدخل الخليج والتحكم في مواصلاته البحرية مع العالم الخارجي، فضلاً عن خطورة هذه الهيمنة على دول مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وسلطنة عمان؛ حيث اقتربت إيران أكثر من هذه الدول بسيطرتها على هذه الجزر؛ فباتت أكثر قربًا من سواحلها الإقليمية، بالإضافة إلى فقدان العرب لثرواتهم النفطية، فضلاً عما تعد هذه الجزر غنية به من موارد طبيعية أخرى.([11]) فالإستراتيجية الإيرانية منذ مطلع السبعينيات بدأت تهدف إلى توسيع الحدود الخارجية لأمن إيران لذلك بسطت إيران مظلة الدفاع من القوتين البحرية والجوية على طول خليج عمان؛ لتدور في فلك سياسة إقليمية أشد تعقيدًا بدأت عام 1971م باحتلال الجزر الثلاث، وقبلهما محاولات إعاقة قيام مجلس الأتحاد الإماراتي إلا بشروط خاصة، كان من أهمها ضم البحرين إلى سيادتها. ولعل الحلم الإيراني في الخليج كان مرتبطًا بصورة قوية مع القومية الفارسية ومع التراث الأسطوري الفارسي، كما أن للخليج أبعادًا رمزية لمفاهيمهم ومعتقداتهم تجاه الأمجاد الفارسية الماضية، وكذلك موروثهم التاريخي الكبير، وذلك الأمر يعتبر تفسيرًا حقيقيًا لإصرار إيران الدائم على التشبث بمطالبها في الخليج، وحساسيتها تجاه الاستعمال الصحيح لاسم الخليج؛ حيث تصر على استخدام مصطلح "الخليج الفارسي" في ادبياتها السياسية . ([12])

المبحث الثاني : اثر نزاعات الحدود على الامن الخليجي العربي

  تعد تجربة مجلس التعاون الخليجي التجربة العربية على صعيد التعاون الاقليمي في المنطقة العربية ولاشك بان الحربين الخليجيتين قد طرحتا تحديات كبرى امام هذا المجلس ووضعتاه امام استحقاقات غير متوقعة. وهذا ما يبرز عدم نجاحه في تحقيق نفس مستويات النجاح على الصعيد الامني- الاستراتيجي.([13]) بالرغم من تضمنه لهيئات ومؤسسات مخصصة لاغراض الدفاع المشترك والتنسيق الامني والاستراتيجي. بما في ذلك انشاء قوة دفاع خليجية مشتركة تحت تسمية " درع الجزيرة" التي تضم نحو 7000 عنصرا ينتمون الى مختلف الدول الاعضاء. مع مناورات مشتركة على غرار المناورة الاخيرة المسماة " صقر الخليج" والمتضمنة تدريبات قتالية بمختلف الاسلحة. ولقد استشعر المجلس ضرورة تطوير الشراكة الامنية – الإستراتيجية وعبر عن هذه الضرورة من خلال مقررات القمة الخليجية الاخيرة المنعقدة في البحرين. حيث جرى التركيز على الجوانب الدفاعية والامنية. ومعه تجديد الالتزام باعتبار اي عدوان على احدى دول المجلس عدوانا على جميع اعضائه. ولكن السؤال بقي مطروحا حول الخطوات العميلة لتطوير فعالية المجلس في هذه المجالات. فكان اتفاق القمة على تعاون دول المجلس في هذا الاطار. وهذه الفعالية تطرح اول ما تطرح تحديد مصادر التهديد الخاصة بكل بلد على حدة اضافة الى مصادر التهديد المشتركة. وكلا النوعين من التهديدات يتضمن تهديدات داخلية واقليمية وخارجية. بحيث يصبح تحديد هذه المصادر والتعامل معها في واجهة الاولويات المطروحة امام اتفاق التعاون بين دول المجلس. ([14])

مصادر تهديد الامن الخليجي

 ان كافة التصنيفات المعتمدة لمصادر التهديد هي تقسيمات اصطناعية. فالتهديدات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية غير قابلة للفصل وهي متداخلة مع كافة انواع التهديدات الداخلية والخارجية والاقليمية بحيث يصبح الفصل بين هذه التدخلات نوعا من التبسيط والاختزال الذي يفقد الباحث امكانية الرؤية الشاملة لابعاد كل تهديد من هذه التهديدات. من هنا وجوب التنويه باصطناعية تصنيف التهديدات التي يواجهها المجتمع الخليجي. حيث نصادف التصنيف التالي : ([15])

1.  النزاعات الثنائية بين دول المجلس: وهي في غالبيتها صراعات حدودية تاريخية او تنافسية تطال الموارد الطبيعية. وهذه النزاعات شكلت طيلة عقدين من عمر المجلس عائقا اساسيا في وجه التكامل الاستراتيجي بين دوله.

2.  النزاعات الاقليمية:  وهي المسؤولة عن اجواء التوتر المستمرة بين دول المجلس ودول الجوار الجغرافي. الا انها لاتقف عند النزاع الحدودي او نزاع الموارد بل هي تتخطاهما الى نزاع حول مناطق استراتيجية وخصوصا خطوط الملاحة الحيوية. ولهذه النزاعات طابع اعاقة التعاون بين دول المجلس عن طريق اشعار اعضائه بتحمل اعباء وتبعات نزاعات واحد من اعضائه.

3.  التناقضات الداخلية: لكل دولة من دول المجلس ازماتها الداخلية المتوزعة على الصعد الديموغرافية ( فئات السكان وتوزيعهم وازمة الوافدين متعددي الجنسيات). والاقتصادية (تراجع الوفرة الاقتصادية بعد ازمات المنطقة ). والاجتماعية ( بروز ازمات اجتماعية تهدد الامن الاجتماعي كانتشار ظواهر الادمان).

4.  المتغيرات العالمية: حيث زيادة حدة الصراع على نفط المنطقة وتضارب مصالح الدول الكبرى فيها يؤديان الى خلق حالة من توقع الأسوأ لدى مواطني دول المجلس. اما على صعيد اصحاب القرار فان هذه الفوضى المميزة للحظة السياسية – الاقتصادية الراهنة تضفي على المتوقع طابع الغموض ومعه التردد في تحديد استراتيجية سياسية وامنية طويلة الامد.

5.  تنامي فعالية الاصولية: مع الانتباه الى توزع الحركات الاصولية على فئتين. الاولى تعنى بالدعوة وتتعاون مع الدولة وتطلب دعمها لنشر الدعوة. اما الثانية فهي تجاهر بمعاداتها للسلطات وتعلن عن الرغبة في الوصول الى السلطة. سواء بالطرق الديمقراطية او عن طريق العنف.

6.   تهديد الجوار: فبات من المتعارف عليه وجود دولتين(حسب النظرة الخليجية) تهددان الامن الخليجي هما ايران والعراق. وبالرغم من جدية التغيرات الطارئة على واقع هاتين الدولتين والتحولات الاساسية في سياستهما فان ذلك لايمنع استمرارية هذه الرؤية

الانعكاسات الامنية للتهديدات

تتبدى هذه الانعكاسات على مختلف الصعد لتخلف آثارا غير ممكنة التجاهل. فتتجلى هذه الانعكاسات على الصعيد الاقتصادي بزيادة الانفاق العسكري وصعوبة التوجه لدى صناع القرار. اما لدى المواطنين فهي تنعكس باستشعارهم ضعف مقومات الامن الاجتماعي. بما يدفعهم للتصرف وفق توجهات مختلفة نتيجة لهذا الاستشعار. وبما اننا معنيون بهذا الجانب فسنتناول الانماط السلوكية لهذه التصرفات. اذ من الممكن تصنيف ردود فعل المواطنين امام شعورهم بالتهديد في الانماط السلوكية التالية ([16])

1. التوحد بالمعتدي: ويمكن للمعتدي ان يكون ايا من مصادر التهديد المشار لها اعلاه بدون استثناء. مع ملاحظة الميل المتنامي للتوحد بالحركات الدينية. وخاصة منها تلك التي لاتتخذ طابعا سياسيا حادا.

2. فوبيا المواجهة: او سلوك توقع الاسوأ والتصرف على اساسه.

3. السلوك الانسحابي: ويتجلى بالعمل على تامين البدائل ( بما فيها محاولة الحصول على جنسية اضافية).

4.  السلوك الهروبي: ويتجلى بالهرب من مواجهة غموض الاحتمالات الى تجنب التفكير بالواقع واحتمالاته. وهذا السلوك يفسر ارتفاع نسبة الادمان والاقبال على الاكثار من المسممات في المجتمع الخليجي.

5. السلوك الاستسلامي: ويتجلى بالتسليم امام اية احتمالات مطروحة مهما كانت درجة الخطورة في تهديدها.ويتسم هذا بانخفاض تقدير الذات والاعتقاد باللاجدوى.

الا اننا وبعد هذا الاستعراض نعود للتساؤل عن اختلاف حدة هذه المشاعر بين مواطني دول المجلس. كذلك نتساءل عن اولويات خطورة التهديد بين دولة واخرى. ففي حين تبلغ حدة هذه المشاعر الذروة لدى المواطن الكويتي (بسبب تعرضه لكارثة سابقة وخوفه من تكرار الكارثة) نجدها في حدها الادنى لدى المواطن العماني. وفي حين يتركز مصدر التهديد على ايران لدى المواطن الاماراتي فانه يتركز على العراق لدى الكويتي. وهكذا فان الخطوات العملية لسياسة التكامل الامني الخليجي لا بد لها من ان تاخذ هذه المتغيرات في حسبانها لتكون جالبة لمشاعر الامان للجميع. اذ ان اي خلل في الخطوات الوقائية –الاستراتيجية من شانه ان يخلف ازمة انتماء تخرج بعض المواطنين من اطار الانتماء الى المجلس. مما يعرقل التكامل الخليجي على الصعد كافة. وهذا ما ينعكس جليا بعدم قدرة الدول الخليجية على تكوين وحدة عسكرية-دفاعية متكاملة. بالرغم من ان تقارير "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" تشير الى انفاق دول الخليج لحوالي الـ60 مليار دولار سنويا في مجال الامن العسكري. ووصول مشترياتها خلال العقد الاخير الى حوالي الـ200 مليار دولار. ولو تمنت هذه الدول من ايجاد السبل الآيلة الى تكاملها في المجال الأمني لتوصلت الى تكوين قوة موازية للقوى الاكبر في المنطقة. وهذا ما يطرح ضرورة العمل على ارساء اسس هذا التكامل الذي يكرس مشاعر امن متوازية لدى مواطني كافة الدول الاعضاء. فتقارير المعهد المشار اليه اعلاه تشير الى ان هذه الدول تملك حوالي 1000 طائرة مقاتلة و 2000 دبابة حديثة اضافة الى 300 الف جندي.  وتكامل قوة بمثل هذا الحجم من شانه ان يرسي المباديء لقوة ردع متبادل تكفل امن هذه الدول. ويبقى الخلاف حول الاولويات وتحديد العدو الاكثر تهديدا.([17])

وكان من أهم تداعيات أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التحضير الفعلي لاحتلال العراق، والتحولات الداخلية في الدول العربية والدول الخليجية خاصة، وتعرضت بعض الدول وخاصة السعودية واليمن لضغوطات أميركية من أجل ملاحقة أتباع ومؤيدي شبكة القاعدة.وربما كان من أخطر تداعيات الأحداث على نحو مباشر تكثيف الوجود العسكري الأميركي في الخليج حتى

(1)    د. فواز جرجس ، النظام الإقليمي العربي والقوى الكبرى ، ط1 (بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1997) ، ص24 .

وكذلك ينظر : مجموعة باحثين ، العالم الإسلامي طريق النهضة وآفاق البناء ، ط1 (لندن ، 2007) ، ص92

(2) محمد بركات ، مشكلات الحدود العربية أسبابها النفسية وآثارها السلبية، مع دراسة حالة على دول مجلس التعاون الخليجي،عرض علي عبد الفتاح الحاروني ، ط1 (القاهرة ، 2007) ، ص66 .

[3])) انظر : ريتشارد سوكولسكي واخرون : امن الخليج العربي تحسين مساهمات الحلفاء ، (ابو ظبي : مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، 2004) ،ص35 – ص61 .

(4) ينظر : بشير صالح الرشيدي: التعامل مع الذات، (منشورات جامعة الكويت ،1995) ، ص32 .

وكذلك ينظر : محمد رضوان : منازعات الحدود في الدول العربية (مقاربات سوسيوتاريخية وقانونية لمسألة الحدود العربية) ، (بيروت ، افريقيت الشرق ، 1999) ،ص37 .

(5) محمد بركات ، مشكلات الحدود العربية أسبابها النفسية وآثارها السلبية  ، مصدر سبق ذكره ، ص78.

(6) محمد جميل محمد ، الحدود الدولية وطرق تسوية نزاعاتها (دراسة تطبيقية للنزاع السعودي – العماني) ، أطروحة دكتوراه منشورة ، (جامعة أسيوط ، كلية الحقوق ، 2007) ، ص137.

(7) محمد بركات ، مشكلات الحدود العربية أسبابها النفسية وآثارها السلبية  ، مصدر سبق ذكره ، ص88.

وكذلك ينظر : علي الدين هلال وجميل مطر : النظام الإقليمي العربي دراسة في العلاقات السياسية العربية (بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1983) ، ص20- ص25 .

(8) الحدود والسياسة في نزاعات الدول العربية ، مجلة الشرق الأوسط ، العدد222 ، 2001 ، ص21

(9) د.هاني الحديثي ، العراق ومحيطه العربي (دور العراق كموازن اقليمي) ، مجلة دراسات إستراتيجية ، عدد6 ، في مؤتمر العراق ومحيطه الإقليمي (وقائع المؤتمر السنوي الثالث) (جامعة بغداد ، مركز الدراسات الدولية ، 1999) ، ص55 .

(10) محمد بركات ، مشكلات الحدود العربية أسبابها النفسية ..  ، مصدر سبق ذكره ، ص89.

(11)اسعد حمود السعدون وعبد الجبار الحلفي : امن الخليج العربي في ضوء الهندسة الاقتصادية للقرن الحادي والعشرين ، مجلة دراسات سياسية ، العدد 6 (بيت الحكمة ، 2001) ، ص20.

(12) د. محمود علي الداود ، العراق وامن الخليج العربي ترابط قوى ومصالح مشتركة ، مجلة دراسات سياسية ، العدد 6 ، السنة الثالثة ، (بيت الحكمة ، 2001) ، ص22 – ص 27 .

(13) مجموعة باحثين ، امتي في العالم ، ط3 (القاهرة ، مركز الحضارة للدراسات السياسية2003 ) ، ص83

(14) نصرت البستكي ، امن الخليج من غزو الكويت الى غزو العراق ، ط1(بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2003) ، ص11 .

(15) ينظر : محمد مصطفى شحاتة ، حدود السعودية مع دول الخليج العربي  ، مجلة السياسة الدولية ، العدد111 (القاهرة ، مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، 1993) ، ص73 .

(16) فهد عبد الرحمن الناصر: مظاهر السلوك العدواني، (مجلس النشر العلمي في جامعة الكويت، 1999) ، ص41 .

(17) ينظر : عبد الحميد دغبتر ، تسوية المنازعات الاقليمية بالطرق السلمية ، ط1 (الجزائر ، دار هومة ، 2007) ، ص88 .
. .____________
(مجلة العصر في السياسة الدولية):
*  أول مجلة افتراضية سياسية على الويتساب،
* تصدر من مركز العصر للدراسات الاستراتيجية،
* كتابها جمع كبير من المفكرين والمحللين العرب،
* تستقبل المقالات والتحليلات السياسية المستقلة، 
* الآراء المطروحة لا تمثل رأي المجلة بالضرورة، 
* للاشتراك في الويتساب اضغط على الرابط التالي👇:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.