يُحكى أنه كان يوجد ملك وكان لهذا الملك ساقي يحمل له الماء من البئر ويأتي به إلى الملك ليشرب منه وكان هذا الساقي حكيماً وكان له جرّتان أحدهما جديدة ولا تسرب الماء أبداً والأخرى قديمة وفيها ثقب لابأس به وكان الملك لايشرب إلا من الجرة الجديدة وكان يكره الأخرى لسوء منظرها وبشاعتها وتسريبها للماء..
ظل هذا الساقي لمدة وهو ينقل الماء للملك بالجرتين وكل جرة يحملها بيد ويمشي من نفس الطريق وكل مرة والملك لايشرب إلا من الجرة الجديدة وفي إحدى الأيام ضاقت الجرة القديمة ذرعاً وأشتكت إلى الساقي من بغض الملك لها وأنه لا يتنازل أن يشرب منها ولو لمرة واحدة وعاتبت الساقي أن يرميها ويشتري جرة أخرى جديدة عندئذ قال لها الساقي: اصبري وسترين كل شيء ولما لم تتحمل الجرة البقاء أكثر ذهب الساقي في اليوم التالي وملأ الجرتين وانطلق في طريقه وهو يحدث الجرة القديمة ويقول لها: إنظري خلفك واخبريني ما ترين؟ فنظرت ورأت أن الطريق الذي يتسرب فيه الماء منها قد امتلأ بالورد والزهر والأعشاب وقد التفت حوله الكثير من الفراشات والنحل كل ذلك بفضل الماء الذي تسربه خلفها..
ثم قال لها انظري الى طريق جارتك الجرة السليمة فوجدته طريقاً جافاً قاحلاٌ لا يوجد فيه حياة بسبب إحتفاظها بالماء للملك فقط عندئذ قال الساقي للجرة إنظري إلى دورك أنت في الحياة وكم من كائن تسقينه ولا تنظري إلى الجرة الجديدة التي لاتسقي إلا الملك..
المستفاد من القصة عدم الاغترار بالمظاهر فقد يقدم الفقير للمجتمع أكثر مما يقدمه الغني وعلى الإنسان الذي يحمل رسالة هادفة في الحياة أن لايقارن نفسه بمن هم فوقه بالمال والجاه فقد يكون هو يقدم رسالة أكثر مما يقدم هؤلاء..
أيضاً على الإنسان لكي يمتلك أساليب إقناع قوية أن يكون واسع الثقافة والإطلاع وأن يكون حكيماً كهذا الساقي الذي أقنع الجرة القديمة بمواصلة رسالتها ووضح لها حسن رسالتها بإسلوب رائع وقوي وبليغ ومقنع فلو قام بنهرها أو بإجابتها بغير تلك الكلمات والكناية التي في القصة لما كان بمقدوره إقناعها لمواصلة عملها..
أيضاً على الشخص أن يقوم بتفرس عمله والتعمق في الواجب الذي يؤديه وتحفيز نفسه بإستخراج رسالة تعينه على مواصلة عمله كهذه الرسالة التي استخرجها هذا الحكيم للجرة..
أيضاً خدمة الناس وتقديم المعروف لهم لايقاس بأشكالهم ولا بمكانة أولئك الذين يستلمون المعروف الإجتماعية سواء بجاه أو بمال فالذي يخدم الملك لايختلف عن الذي يخدم عامة الناس وأقلهم شأناً وقد يكون أفضل عند الله من هذا الذي يخدم ملكاً أو أميراً وذلك إذا تفهَّم رسالته وأخلص النية والعمل لله وحده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق